سورة الحجرات - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قرأ يعقوب: {لا تقدموا} بفتح التاء والدال، من التقدم أي لا تتقدموا، وقرأ الآخرون بضم التاء وكسر الدال، من التقديم، وهو لازم بمعنى التقدم، قال أبو عبيدة: تقول العرب: لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي لا تعجل بالأمر والنهي دونه، والمعنى: بين اليدين الأمام. والقدام: أي لا تقدموا بين يدي أمرهما ونهيهما. واختلفوا في معناه: روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى، وهو قول الحسن، أي لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ناسًا ذبحوا قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يعيدوا الذبح.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا محمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن يزيد، عن الشعبي، عن البراء قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن نصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء».
وروى مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك، أي: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم، أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أَمِّرِ القعقاع معبد بن زرارة، قال عمر: بل أَمِّرِ الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أردتَ إلا خِلافي، قال عمر: ما أردتُ خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} حتى انقضت.
ورواه نافع عن ابن أبي مليكة، قال فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} إلى قوله: {أجر عظيم}، وزاد: قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر عن أبيه، يعني أبا بكرٍ.
وقال قتادة: نزلت الآية في ناس كانوا يقولون: لو أُنزل في كذا، أو صُنع في كذا وكذا، فكره الله ذلك.
وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
وقال الضحاك: يعني في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمرًا دون الله ورسوله.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} في تضييع حقه ومخالفة أمره، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لأقوالكم، {عَلِيمٌ} بأفعالكم.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَه بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أمرهم أن يبجلوه ويفخموه ولا يرفعوا أصواتهم عنده، ولا ينادونه كما ينادي بعضهم بعضًا، {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} لئلا تحبط حسناتكم. وقيل: مخافة أن تحبط حسناتكم، {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: لما نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت أشتكى؟ فقال سعد: إنه لجاري وما علمت له شكوى، قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو من أهل الجنة».
وروي أنه لما نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق يبكي، فمر به عاصم بن عدي فقال: ما يبكيك يا ثابت؟ فقال: هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ، وأنا رفيع الصوت أخاف أن يحبط عملي، وأن أكون من أهل النار، فمضى عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغلب ثابتًا البكاءُ، فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبيّ سلول، فقال لها: إذا دخلت بيت فرسي فشدي علي الضبَّة بمسمار، وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبره فقال له: اذهب فادعه، فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرس، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، فقال: اكسر الضبة فكسرها، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا ثابت؟ فقال: أنا صَيِّتٌ وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تعيش حميدًا وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة؟ فقال: رضيت ببشرى الله ورسوله، ولا أرفع صوتي أبدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}.


{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} الآية. قال أنس: فكنا ننظر إلى رجل من أهل الجنة يمشي بين أيدينا، فلما كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب، رأى ثابت من المسلمين بعض الانكسار وانهزمت طائفة منهم، فقال: أفٍ لهؤلاء، ثم قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة: ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا، ثم ثبتا وقاتلا حتى قتلا واستشهد ثابت وعليه درع، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام وأنه قال له: اعلم أن فلانًا رجل من المسلمين نزع درعي فذهب بها وهي في ناحية من المعسكر عند فرس يسير في طِوَلِهِ، وقد وضع على درعي بُرْمَة، فأت خالد بن الوليد وأخبره حتى يسترد درعي، وأت أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل له: إن عليّ دَيْنًا حتى يقضى، وفلان من رقيقي عتيق، فأخبر الرجل خالدًا فوجد درعه والفرس على ما وصفه له، فاسترد الدرع، وأخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا فأجاز أبو بكر وصيته.
قال مالك بن أنس: لا أعلم وصية أجيزت بعد موت صاحبها إلا هذه.
قال أبو هريرة وابن عباس: لما نزلت هذه الآية كان أبو بكر لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار.
وقال ابن الزبير: لما نزلت هذه الآية ما حدث عمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته، فأنزل الله تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم}، يخفضون {أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} إجلالا له، {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّه، قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} اختبرها وأخلصها كما يمتحن الذهب بالنار فيخرج خالصه، {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5